في مقاربة فوكو لشروط تشكل الذات الغربية بما هي موضوع للأخلاق، يكون فوكو قد فتح ممرا جديدا للبحث الفلسفي يقع خارج محوري السلطة والمعرفة.
يتعلق الأمر بالبحث في سيرورة التذويت، استنادا إلى التجربة اليونانية الرومانية، هناك حيث سيكتشف الحضور الوازن والمهم لأحد المبادئ الرئيسية وهو "الانهمام بالذات".
يمكن القول بأن المبدأ المذكور، قد اعتبر، في كامل فلسفة العصور القديمة، واجبا وتقنية والتزاما أساسيا ومجموعة من الطرائق المعدة بعناية. لا يتعلق الأمر إذن بمبدأ ينزع نحو الأنانية والانعزال والتخلي عن كل مسؤولية، مما قد يترتب عنه استبداد ما في ممارسة السلطة، بالعكس فالذي يهتم بذاته، كما يلزم هو مثال للصريح الصادق الحر، الذي لا يتوانى في مساعدة الآخرين، وفي تحمل مسؤولياته كاملة كرب أسرة أو كموظف أو كمواطن حقيقي.. ثم في قدرته على قول الحقيقة، بكل شجاعة، مهما كانت جارحة، بل وفي قبول الموت و "الاستعداد" لها.
ليس الاهتمام بالذات مجرد تحضير مؤقت للحياة، وإنما هو شكل للحياة، لا يمكن فصله عن صيغة جمالية في الوجود.
عندما نقرأ ما كان يقوله سقراط، سيد الانهمام بالذات، للمارة: "إنكم تهتمون بثرواتكم وبسمعتكم وأمجادكم، لكنكم لا تهتمون بفضائلكم وأرواحكم"، معتبرا ما يقوم به رسالة أوكلها الله إليه، أنها مهمة سامية لا يطلب من وراءها أجرا، وهي في النهاية وظيفة مفيدة للمدينة.. فإننا نعلم فعلا كم نحن بعيدون اليوم عن سقراط وعن الصيغة الحقيقية للانهمام بالذات.
يجب تسجيل الدخول او الاشتراك للتتمكن من تحميل الكتاب بالاضافة إلى ميزات اخرى مفيدة للقارئ مع العلم أن الاشتراك مجاني
كتب مشابهه
كتب من نفس القسم
جميع حقوق الطبع أو التأليف لأصحابها ويتم نشر كل ما هو متاح على الانترنت .... وإذا وجدت أي كتاب ينتهك حقوق الملكية برجى التواصل معنا على البريد الالكتروني info@novbook.net