وَحْده الأدبُ الحصري قادرٌ حتّى يَعبُر حدَ الدهر ليمسَّ روحك، وإذا كان بينك وبينه مئاتُ الأعوام، نمط خاص من الانبهار يُصيبك حين تدرك أن هموم الناس واحدة باختلاف العصور، وأن ميراث البشرية من الوجع، والزهو، والعتاب، والغزل، كان — وما زال — مثلما هو، يتفنَّن الجميع من شعراء وأدباء ورُواة في التعبير عنه وإبرازه، ليظل — في صورته المكتوبة هذه — وسيلةً للتواصل بين الإنس، وإنْ واراهم الثَّرى. هكذا نجح «أبو فراس الحمداني» بديوانه ذاك في تدعيم تلك المنظومة الآدمية الخالدة، بقريحته المتواجدة وسَهلِه الممتنع، وامتطائه القوافيَ دون تكلُّف ودون إخلال بشدة التعبير وصِدقه، فنَظمَ الشعر وكأنه عصري متواضع يبلغ إليك بسلاسة، وعبَّر بلسان حالك وكأن الوقت لم يفوتِ منذ عصره العباسي حتى هذه اللحظة. أشهرُ ما صرح «أبو فراس الحمداني» الرومياتُ المشهورة التي كتبها أثناء أَسْره؛ فَخْره ومديحه، غزله وعشقه وإنسانياته، جمَعها الديوانُ الذي بين أيدينا ليُخلدها في الوِجدان العربي.