يعدّ خطاب القوى السّياسية الفاعلة في السّاحة العربية، أنموذجاً حيّاً لخطاب الوصاية المطلقة؛ السّياسّية والدّينيّة والثّقافيّة والجتماعيّة؛ باعتبار أنّه وإن حاول أن يقنعنا بأنّه يمارس دور تمثيل الجماهير العربية والتّعبير عن إرادتها، إلّا أنّه ما يزال يمارس – في حقيقة الأمر – دور تدبير شؤون الجماهير العامّة والخاصّة، نيابةً عنها ودون تفويض منها أو إذن بتمثيلها. لذلك فهو يعدّ بحقّ خطاباً معبّراً عن إرادة النّخبة في التسلّط على الجماهير، ولا يعبّر عن وعي الجماهير أو إرادتها في ممارسة السّلطة، إنّه من صياغة النَّخبة في مواجهة وضعها السّوسيو – ثقافيّ، بما هي نخبة أو مجموعة أو فئة اجتماعية، تعاني مأزقاً تاريخياً، على صعيد علاقتها بذاتها، من جهة، وعلى صعيد علاقتها بباقي أفراد مجتمعها الذي تنتمي إليه، من جهة ثانية، فضلاً عن علاقتها بباقي النّخب الأخرى المختلفة معها أو المتناقضة مع توجّهاتها، من جهة ثالثة، لذلك فهي تلوذ بالخطاب الذي تتداول لمواجهة وضعها المأزوم هذا، أو للتّعبير عن حالة النّفي والتّنابذ التي باتت تحكم منطق العلاقة النّاشئة فيما بينها كنحب، ولمواجهة حالة العزلة والاغتراب التي تعانيها على صعيد علاقتها بالجماهير أو بباقي أفراد المجتمع الذي تنتمي إليه في أصل نشأتها وتكوينها.
ربّما على مستوى السّاحة العربيّة برمّتها، هذه السّحة التي تكاد تخلو من فعل نقديّ حقيقيّ يستهدف نقد أوضاع المجتمع العربيّ عبر الخطابات المعبّرة عن تلك الأوضاع أو السّاعية إلى ترسيخها في وعي المواطن العربيّ.
وانطلاقاً من شعورنا بأهميّة القيام بمثل هذا الدّور الريّادي على المستوى المحليّ والعربي – وبخاصّة في ظلّ الأوضاع الرّاهنة، وما يعتمل في السّاحة العربيّة من تفاعلات، وما نتطلّع إليه جميعاً من استحقاقات وطنية وديمقراطيّة؛ باتت الشّغل الشّاغل لجميع القوى الحيّة دون استثناء – رأينا أن نكرّس جهدنا – في هذه الدّراسة –من هذا المنطلق تناول هذا الكتاب الخطاب السّياسيّ الذي تتبادله القوى السّياسيّة في الواقع العربي بعامة، وفي الواقع اليمنيّ بخاصّة، بكافّة أطيافها وأطرافها، وذلك إنطلاقاً من قناعتنا الرّاسخة بأنّ النّاقد الحقيقيّ، هو من يمارس الفعل النّقديّ بمفهومه الشّامل، وبحيث يشمل نقد الأوضاع الثّقافيّة والاجتماعية والسّياسيّة والاقتصادية للمجتمع المحليّ والعربيّ، انطلاقاً من الخطابات والنّصوص المكرّسة لتلك الأوضاع، والنّاشئة عنها.
يجب تسجيل الدخول او الاشتراك للتتمكن من تحميل الكتاب بالاضافة إلى ميزات اخرى مفيدة للقارئ مع العلم أن الاشتراك مجاني
كتب مشابهه
كتب من نفس القسم
جميع حقوق الطبع أو التأليف لأصحابها ويتم نشر كل ما هو متاح على الانترنت .... وإذا وجدت أي كتاب ينتهك حقوق الملكية برجى التواصل معنا على البريد الالكتروني info@novbook.net