الثقافة هي التجسيد الفعلي لميز النوع اليشري نحو التمييز عن الطبيعة، وبالتالي عن الحيوان. وبما أن هذا الميل يسكن ثقافة النوع البشري، فإن الثقافة تتجه نحو ترويض الطبيعة تحقيقًا لذلك، سواء تعلق الأمر بالطبيعة الخارجية أو بالطبيعة الداخلية. لكن الثقافة كثيرًا ما تصطدم بالطبيعة وبخاصة الطبيعة البشرية، وتصادمها حيث تصبح تحكمًا تعسفيًا في طاقة الحياة، وحرمانا للإنسان من المتعة واللذة باسم قيم عليا.
لذلك ارتأى مؤلف هذا الكتاب أن ينفتح على نقاش تقليدي في تاريخ الفكر، وهو الصراع الفطري، أي ماينتمي إلى الطبيعة، وبين ماهو مكتسب أي ما ينتمي إلى المجتمع الثقافي، وما يتوصل إليه بالتعلم وليس ماهو معطى قبليًا.
ويلاحظ القارئ أن النصوص المقدمة هنا توسع إلى حد ما إشكالية العلاقة بين الطبيعة والثقافة وتخرج بها عن إطارها التقليدي، إطار الإشكالية الأنثروبولوجية.