كانت المرحلة الأولى في سير الرسالة الخالدة ، خاتمة رسالات السماء ، رسالة محمد خاتم النبيين في مكة مرحلة تأسيس العقيدة التوحيدية وتثبيتها بإقامة البراهين القاطعة عقلاً ونقلاً ، ونصب منائر الأدلة الساطعة على مشارف طرائق سيرها ، سواء أكانت الأدلة تكوينية مبثوثة في عناصر الكون ومظاهر الطبيعة ، أم كانت تنزلية ، تنزّل بها الوحي لهداية العقول وتنوير القلوب ، وتحصين هذه العقيدة التي هي المقصود الأعظم والغاية العظمى لجميع رسالات الله تعالى إلى أهل الأرض من أن تحوم حولها حوائم الشبهات الإلحادية وأساطير الوثنيات المادية ، وتقويض أبنية الشرك ، وبدانات الأصنام والأوثان في جميع صورها وأشكالها وسائر ضروب الشرك وألوانه وتطهير القلوب والعقول من رواسب موروثات الجاهلية وقد كانت هذه المرحلة أطول مراحل سير الرسالة الخالدة زمناً ، وأملاها حجاجاً فكرياً ، وأفعمها نضالاً عقلياً ، وأبلغها إيقاظاً للفطرة .